الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال أوس في تأنيثه:
وقال في تذكيره: أي إذا كان لك شيء من ذلك فافعل {فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} تدل على صدقك وتمنعهم من تكذيبك فافعل ولكنك لست بفاعل ما لم نقدرك على فعله وحيث كان كذلك فما عليك إلا أن تتحمل وتصبر، نزلت هذه الآية العظيمة في المنزل عليه صلّى اللّه عليه وسلم حين عظم عليه استهزاء قومه وتكذيبهم إياه وإصرارهم على الإعراض عن الإيمان وتاقت نفسه الكريمة أن يظهر اللّه تعالى على يده الآيات التي طلبها قومه ليسلّموا له ويؤمنوا بربه فأخبره اللّه بهذه الآية بما يقطع أمله من ذلك لأن إنزال الآيات مقدر على أوقات وأسباب لا تتعداها وكذلك الإيمان وعدمه موقت بأوقات لا يتخطاها سواء أجيب طلبهم أم لا، ثم أخبره بما هو مراده في الأزل فقال: {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى} من دون إرسالك إليهم ولكنه لم يشأ فلا تتعب نفسك وتتأذى بما تراه منهم لأن المشيئة قضت بذلك وفاقا لما هو مقدر عليهم في الأزل الذي لا يتغير ولا يتبدل، فاعلم هذا وتبه وإياك أن يخطر ببالك ما لم يكن في مراد اللّه فإنه لا يكون {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ 35} الذين يشوبهم الجزع ويضيق صدرهم لكل بادرة فأنت على ما أنت عليه من سعة الخلق وشرح الصدر وطول البال ولين الجانب.وإنما غلظ تبارك وتعالى لحبيبه هذا الخطاب في هذه الآيات ليبعد جنابه العالي عن هذه الحالة ولا يحرص على إيمانهم إذ سبق في قضائه عدم إيمانهم لأنهم في معزل عن الإجابة لدعوته لانهماكهم في مهاوي الكفر واقتصارهم على الأقوال الفارغة وإذ زاد القول فقد نقص العمل، واعلم أن هذه في أناس مخصوصين علم اللّه موتهم على الكفر ولهذا قال تعالى: {إِنَّما يَسْتَجِيبُ} لك ويقبل دعوتك {الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} تلاوتك سماع قبول بآذانهم وتعيها قلوبهم {وَالْمَوْتى} الكفار الذين لا يصغون لقولك ولا يتعظون بوعظك {يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} يوم القيامة فيسألهم عن عدم إذعانهم هذا {ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ 36} بعد الحساب فيجازيهم على إعراضهم قد شبههم اللّه تعالى بالموتى بجامع عدم الإجابة والإسماع في كل منهما ولأن الجاهل ميت قال الشاعر: وقال: {وَقالُوا} أولئك الكفرة {لولا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} تشهد على رسالته مثل الأنبياء قبله لآمنا به فأنزل اللّه تعالى إنزاله {قُلْ} لهؤلاء الكفرة يا سيد الرسل {إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً} مثل ما أنزل على من قبلك {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ 37} عاقبتها لأنهم إذا لم يؤمنوا بالآيات المقترحة يستأصلون بالعذاب دون مهلة ما كأمم الأنبياء قبلهم الذين أعطوا ما اقترحوه ولم يؤمنوا فأخذهم اللّه واللّه تعالى عالم بأن هؤلاء المقترحين لا يؤمنون وان الذين سيؤمنون منهم لم يحن وقت إيمانهم المقدر لهم وان البلاء إذا نزل عم راجع الآية 25 من سورة الأنفال في ج 3، على أن من يريد الإيمان عن صدق فلديه القرآن أكبر آية وأعظم معجزة وأجل برهان ولكن لا يقصدون من ذلك إلا العناد والتمادي في الضلال {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} من كل ما دب على ظهرها {وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ} أي أن كل جنس من الحيوان أمة مثل البشر والجن، فالطير أمة والوحش أمة والحوت أمة والجراد أمة والديدان أمة وهلم جرا من كل ما كان من خلق اللّه بالولادة أو التوالد سواء كان على وجه الأرض أو داخلها أو كان عائما في الماء أو الهواء لأنه إذا اتصل بالأرض دب عليها فالكل داخل في معنى الآية ووجه المماثلة هو أن كل حيوان يعرف خالقه ويوحده ويسبحه ويصلي له بحسبه قالا أو حالا، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} الآية 44 من الإسراء المارة في ج 1، وكما أن البشر مخلوق للّه فهي مخلوقة له وكما أن البشر يألف بعضه بعضا فهي يألف بعضها بعضا أيضا، وكما يفهم بعضه على بعض يفهم بعضها على بعض، وكما أنه يموت ويبعث فهي أيضا كذلك وقد اقتصر اللّه تعالى على ما في الأرض في هذه الآية وإن كان ما في السماء أمما أيضا مخلوقة له جل شأنه ولكنها غير مشاهدة وقد جاءت الآية بمعرض الاحتجاج والاحتجاج بالمعاين أولى منه فيما لم يعاين وفي ذكر الجناح للطائر إشارة إلى أنه تعالى سيحدث طائرا بلا جناح يتحرك بطبعه مما هو داخل في قوله تعالى بمعرض ذكر الأنعام {وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ} مما كان من الدواب والملك التي تركب ومما سيكون من هذا النوع بعمل البشر الكائن بتعليم اللّه إياه وإلا فما هو الموجب لتقييد الطير بالجناح ومن المعلوم أن الطائر لا يكون بلا جناح فتنبه رحمك اللّه إلى معجزات القرآن العظيم التي تظهر أولا بأول وقد ظهرت الأفلاك العظام كما وصفها اللّه بقوله: {وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ} الآية 24 من سورة الرحمن في ج 3، ثم السيارات ثم الطائرات ولا تزال تظهر هذه المصنوعات البشرية بما يفوق العقل تصورها راجع الآية الثانية من هذه السورة. .مطلب كل شيء في القرآن مما كان ومما سيكون والآية الخارقة لعقيدة المعتزلة: وهنا يظهر سر قوله تعالى: {ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ} مما علمه البشر ومما لم يعلمه بدليل التنكير والتفريط يتعدى بعن وقد ضمن هنا معنى ما أغفلنا ولا تركنا شيئا إلا وقد أشرنا إليه في اللوح المحفوظ وألمعنا إلى بعض ما في علمنا في هذا القرآن من أمر الدين والدنيا والآخرة، روى البخاري عن ابن مسعود أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: لعن اللّه الواشمات والمستوشمات والمتنمّصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق اللّه، فقالت له امرأة في ذلك فقال ومالي لا ألعن من لعن رسول اللّه وهو في كتاب اللّه فقالت له قرأت ما بين اللوحين (تريد القرآن كله).فما وجدت فيه ما تقول قال لئن قرأتيه لقد وجدتيه أما قرأت {ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الآية 8 من سورة الحشر في ج 3، قالت بلى قال فإنه عليه الصلاة والسلام قد نهى عنه.وقال الشافعي رحمه اللّه مرة في مكة سلوني عما شئتم أخبركم عنه في كتاب اللّه فقيل له ما تقول في المحرم يقتل الزنبور فأجاب بأنه يقتله واستدل عليه بنحو ما استدل ابن مسعود من أن الرسول أمر بقتل الهوام المؤذية وقد أمر اللّه في كتابه بالأخذ بكلامه هذا، وقد أخرج أبو الشيخ في كتاب الفطرة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إن اللّه سبحانه وتعالى لو أغفل شيئا لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة راجع الآية 26 من سورة البقرة في ج 3 والآية 23 من سورة الشورى الآتية والآية 44 من سورة الأنبياء الآتية تجد ما تريده وما قاله ابن الجوزي في هذا المعنى، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه قال: أنزل اللّه في هذا القرآن كل علم وبين لنا فيه كل شيء ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن، وقال الشافعي: لا تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب اللّه الهدى فيها، وقال ابن عباس: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب اللّه، وقال المرسى: جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علما إلا المتكلم به والمنزل عليه عدا ما استأثر اللّه به لنفسه {ثُمَّ إنّهم إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ 38} كما يحشر البشر ويحاسبون كما يحاسب البشر بحيث يجعل اللّه في كل منها قوة النطق والادعاء والدفاع والعفو والإصرار ثم تكون ترابا وحينذاك يتمنى الكافر لو كان مثلها لشدة ما يرى من العذاب راجع الآية الأخيرة من سورة النبأ الآتية، روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: لتردن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا} الواضحة إنما كذبوا بها لأنهم {صُمٌّ} عن سماعها {وَبُكْمٌ} عن النطق بها لكونهم غارقين {فِي الظُّلُماتِ} المتكاثفة راجع الآية 40 من سورة النور في ج 3، أي أنهم يكونون في الآخرة كما هم في الدنيا وهي ظلمة الكفر وظلمة الجهل وظلمة الحيرة لذلك تراهم غافلين عن التأمل في آيات اللّه لاهين عن التفكير فيها ساهين عن النظر إليها وهم في معزل عن معانيها لسابق شقائهم والحقيقة التي لا غبار عليها هي ما ذكره اللّه بقوله: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ} فلا يهتدي أبدا {وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ 29} فيهديه للإسلام وهذا عدل منه تعالى فهو الفاعل المختار المتصرف في ملكه يفعل ما يشاء كيف يشاء كما أن أحدكم إذا هدم داره هل يسأل عنها وهل يعد مقترفا جرما كلا واللّه لا يسأل عما يفعل بل خلقه يسألون إذا تجاوزوا على أحد، وهذه الآية دليل قاطع على عدم خلق الأفعال وإرادة المعاصي من العاصي ونفي الأصلح وأن الكفر والإيمان بإرادته تعالى والإرادة لا تتخلف عن المراد كما هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا لأهل العقائد الفاسدة من المعتزلة وأضرابهم الذين لما رأوا هذه الآية خارقة لعقيدتهم وعجزوا عن مقاومتها لوّوا أعناقهم فراموا رفضها وأوّلوا يضلله بيخذله ولم يلطف به، وقالوا إن معنى يجعله يلطف به كأن اللّه تعالى عاجز أن يقول ما قالوا لو كان المراد كما قالوا وله القول الفصل أو أنه تعالى ضاق كلامه عن التعبير بما أولوه حاشا ثم حاشا، وقدمنا في الآية 12 من سورة الحجر المارة ما يتعلق في هذا البحث فراجعها.قال تعالى يا سيد الخلق {قُلْ} لهؤلاء المعاندين {أَرَأَيْتَكُمْ} أخبروني، تقول العرب أرأيتك أي أخبرني عن حالك والمراد بهذا الاستخبار تبكيتهم والقامهم الحجر بما لا سبيل إلى إنكاره {إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ} في الدنيا كما أتى على من قبلكم من الموت الفجائي بخسف أو رجم أو غرق أو صيحة أو غيرها فصعقتم حالا دون مهلة أتدعون أحد يكشف ما حل بكم {أو أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ} على حين غرة {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} لكشف ذلك عنكم وهل تغيثكم أصنامكم إذا استغثتم بها على كشفه أجيبوني {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ 40} أنها تنجيكم من ذلك فإن قالوا لك شيئا أو لم يقولوا فقل يا سيد الرسل {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} لا غير لأنكم تعرفون أنها لا تنفعكم في مهماتكم ولا في غيرها ولكنكم إذا دعوتم اللّه عن صدق نية وحسن عقيدة وحقيقة يقين {فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ 41} لشدة الهول النازل بكم فنتضرعون إلى اللّه بادئ الرأي وتدعون أصنامكم لعلمكم بعجزها عن دفع الضر عن نفسها فضلا عن غيرها، فإذا كان كذلك وهو كذلك أيليق بكم وأنتم تدعون العقل أن تتركوا الإله الواحد الذي يلجأ إليه في المهمات وتعبدوا غيره حال الرخاء وهو جماد أو حيوان مخلوق للّه لا يتمكن من عمل شيء أما بكم من عقل يمنعكم من هذا أما تعتبرون بمن مضى قبلكم {وَ} أنت يا أكمل الرسل لا تجزع لما ترى منهم {لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ} رسلا كثيرة فخالفوهم وكذبوهم وآذوهم أقوامهم مثل ما فعلت بك عشيرتك وأمتك وقد أمهلناهم ختى انقضى الأجل المضروب لهم فأصروا على كفرهم ولم يؤمنوا {فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ} الفاقة والشدة والسوء {وَالضَّرَّاءِ} نقص الأموال والأنفس والثمرات والأولاد {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ 42} لنا ويخضعون لأوامر رسلنا ويتذللون فيتوبون فنعفو عنهم ولكنهم لم يفعلوا {فَلولا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا} لنا لعلنا تكشفه عنهم كما كشفناه عن قوم يونس راجع الآية 98 من سورة يونس المارة {وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} فلم يتضرعوا لنا عنادا هذا على أن لولا هنا نافية كما هي في الآية المذكورة من سورة يونس المارة إلا أن الجمهور على أنها أداة تحضيض بمعنى هلا كما في أكثر المواضع، وحملوا المغني على التوبيخ والتنديم وهو يفيد عدم الشرك وعدم الوقوع بدليل أداة الاستدراك تدبر {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ 43} فأعجبتهم صنايع كفرهم ومعاصيهم وقدمنا ما يتعلق بهذا في الآية 38 من سورة الحجر فراجعها {فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ} ولم يتعظوا بما أصابهم لكثافة الرّين الذي على قلوبهم وطبقات الصّدأ {فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ} من السعة والرخاء والصحة والسلامة والحياة والرياسة بدل الفقر والشدة ونقص الأموال والثمرات والذل والمهانة لنستدرجهم {حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا} من الخيرات والقوة والسلطان وظنوا أن ما كان بهم لم يكن للانتقام بل للسعادة والرضاء {أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً} فجأة وهم على أحسن حال يتمنونه لتشتد حسرتهم ويتضاعف ندمهم على ما تركوا من اللذات والشهوات لأنهم لو أخذوا حال الضيق لهان عليهم الأمر لأن كثيرا من المبتلين يتمنون الموت ليتخلصوا من بؤسهم وقد قال قائلهم:ولا تجد أحدا من المنعمين يريده بل أكره ما عليهم ذكره {فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ 44} آيسون كثيروا الأسف والحسرة حزنا على ما فاتهم فيها لأن المبلس المطرق رأسه أسى على ما حل به من الندم وعدم تلافي ما فرط به، روى عامر بن عقبة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال إذا رأيت اللّه يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معصيته فإنما ذلك استدراج ثم تلا هذه الآية أسنده الطبري وذكره البغوي بغير سند {فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا} أنفسهم وأهلكوا عن آخرهم يقال دبر فلان القوم إذا كان آخرهم، أي فكأنهم لم يلبثوا فيها وقد انقلب فرحهم ترحا وعزهم ذلة كما قال القائل: وقيل: ولكن هؤلاء كلهم جزع لأن ما هم قادمون عليه أشر مما فاتهم {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ 45} على تأييد رسله وإهلاك أعدائهم، وهذا تعليم من اللّه لأنبيائه والمؤمنين أن يحمدوه عند كفايته شر معانديهم ومناوئيهم وعند قضاء حوائجهم، وهذا الحمد واجب لأنه بمقابلة نعمته وهكذا يجب على كل من أولاء اللّه نعمة من مال أو ولد أو صحة أو غيرها، أما في غير مقابلة نعمه فهو مسنون في كل حال لأن نعم اللّه على العباد لا تحصى وقيل في المعنى: قال بعض المفسرين إن اللّه تعالى حمد نفسه بنفسه على ما فعل بهم أي لم يقصد به التعليم والأول أولى، قال تعالى: {قُلْ} يا أكرم الرس لهؤلاء الكفرة {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ} فصرتم عميا صما بكما عميا {مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} أي بما أخذه منكم من تلك القوى فسيقولون لك حتما لا أحد يقدر على الإتيان لهم بشيء من ذلك إلا اللّه وانهم بفقدها يكونون كالجماد لأن الإنسان بغير هذه الحواس يختل نظامه ويفسد أمره وتتعطل مصالحه الدينية والدنيوية ولا يقدر على إيجادها إلا الذي خلقها، فيا سيد الرسل {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ} ونكررها لهم ليستدلوا بها معالم التوحيد وآثار النبوة وعلائم الآخرة {ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ 46} يصدّون ويعرضون ويميلون عنها، قال أبو سفيان عليه السلام في هذا المعنى: أي أنه يتعجب كيف رحمهم اللّه وأخر عذابهم إلى أن وفقوا إلى التوبة والإيمان مع شدة إعراضهم عنه فيكون صدف هنا بمعنى أعرض وبمعنى مال وأصل الصدف الجانب والناحية ومنه الصدفة وتطلق على البناء المرتفع وجاء في الخبر أنه صلى اللّه عليه وسلم مرّ بصدف مائل (أي بناء عال مائل) فأسرع ثم بكّتهم ثالثا بقوله عز قوله: {قُلْ أرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً} عيانا أو خفية ليلا أو نهارا {هَلْ يُهْلَكُ} فيه أحد هلاك خسارة وحرمان {إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ 47} أنفسهم وغيرهم بسبب كفرهم وطغيانهم وبغيهم كلا لا يهلك غيرهم.
|